فصل: (سورة الحجرات: آية 1).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن شيبة قال: حدّثنا الفريابي، قال: حدّثنا محمّد بن المصفى، قال: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا عبد القدوس بن الحجّاج، قال: حدّثني صفوان بن عمرو، قال: حدّثنا راشد بن سعد، وعبد الرّحمن بن جبير، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لمّا عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم».
{واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} أخبرني الحسين، قال: حدّثنا موسى بن محمّد بن علي، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدّثنا يحيى بن أيّوب، قال: حدّثنا أسباط، عن أبي رجاء الخراساني، عن عبّاد بن كثير، عن الحريري، عن أبي نصرة، عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخُدري، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغيبة أشدّ من الزنا». قيل: وكيف؟ قال: «إنّ الرجل يزني، ثمّ يتوب، فيتوب الله عليه، وإنّ صاحب الغيبة لا يُغفر له حتّى يغفر له صاحبه».
وأخبرني الحسين، قال: حدّثنا الفضل. قال: حدّثنا أبو عيسى حمزة بن الحسين بن عمر البزاز البغدادي، قال: حدّثنا محمّد بن علي الورّاق. قال: حدّثنا هارون بن معروق، قال: حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذي، قال: قال رجل لابن سيرين: إنّي قد اغتبتك، فاجعلني في حلّ، قال: إنّي أكره أن أحلّ ما حرّم الله.
وأخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا أبو الطيب بن حفصويه، قال: حدّثنا عبد الله بن جامع. قال: قرأت على أحمد بن سعيد، حدّثنا سعيد، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن هشام بن حسّان عن خالد الربعي، قال: قال عيسى ابن مريم لأصحابه: أرأيتم لو أنّ أحدكم رأى أخاه المسلم قد كشف الريح عن ثيابه؟ قالوا: سبحان الله إذًا كنّا نردّه. قال: لا، بل كنتم تكشفون ما بقي، مثلًا ضربه لهم يسمعون للرجل سيئة أو حسنة، فيذكرون أكثر من ذلك.
{يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم} الآية. قال ابن عبّاس: نزلت في ثابت بن قيس وقوله للرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الذاكر فلانة؟». فقام ثابت، فقال: أنا يا رسول الله. فقال: «انظر في وجوه القوم». فنظر إليهم، فقال: «ما رأيت يا ثابت؟».
قال: رأيت أبيض وأسود وأحمر. قال: «فإنّك لا تفضلهم إلاّ في الدّين والتقوى»، فأنزل الله سبحانه في ثابت هذه الآية وبالّذي لم يفسح له: {آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي المجالس فافسحوا} [المجادلة: 11] الآية.
وقال مقاتل: لمّا كان يوم فتح مكّة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا حتّى علا على ظهر الكعبة وأذّن، فقال عتاب بن أسد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتّى لم ير هذا اليوم، وقال الحرث بن هاشم: أما وجد محمّدٌ غير هذا الغراب الأسود مؤذِّنًا؟ وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئًا يغيره، وقال أبو سفيان بن حرب: إنّي لا أقول شيئًا أخاف أن يخبر به ربّ السماء.
فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عمّا قالوا، فأقرّوا، فأنزل الله سبحانه هذه الآية وزجرهم، عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال، والازدراء للفقراء، وقال يزيد بن سخرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يمرّ ببعض أسواق المدينة، فإذا غلام أسود قائم، ينادى عليه ليباع، فمن يريد، وكان الغلام قال: من اشتراني فعلي شرط، قيل: ما هو، قال: ألا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه رجل على هذا الشرط، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عند كلّ صلاة مكتوبة، ففقده ذات يوم، فقال لصاحبه: «أين الغلام؟». فقال: محموم يا رسول الله، فقال لأصحابه: «قوموا بنا نعوده». فقاموا معه فعادوه، فلما كان بعد أيّام قال لصاحبه: «ما حال الغلام؟».
قال: يا رسول الله، إنّ الغلام لما به، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وهو في ذهابه، فقبض على تلك الحال، فتولّى رسول الله صلى الله عليه وسلم غسله، وتكفينه، ودفنه، فدخل على المهاجرين، والأنصار من ذلك أمر عظيم، فقال المهاجرون: هاجرنا ديارنا، وأموالنا، وأهالينا، فلم ير أحد منّا في حياته ومرضه وموته ما لقي منه هذا الغلام، وقال الأنصار: آويناه، ونصرناه، وواسيناه فآثر علينا عبدًا حبشيًّا، فعذر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما تعاطاه من أمر الغلام، وأراهم فضل التقوى، فأنزل الله سبحانه: {يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا} وهي رؤوس القبائل وجمهورها مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج. واحدها شَعب بفتح الشين، سُمّوا بذلك لتشعّبهم واجتماعهم، كتشعّب أغصان الشجر، والشعب من الأضداد يقال: شعبته إذا جمعته، وشعبته إذا فرّقته، ومنه قيل للموت: شعوب.
{وَقَبَآئِلَ} وهي دون الشعوب، واحدها قبيلة، وهم كندة من ربيعة، وتميم من مضر، ودون القبائل العمائر، واحدها عمارة بفتح العين كشيبان من بكر، ودارم من تميم، ودون العمائر البطون، واحدها بطن، وهم كبني غالب ولؤي من قريش، ودون البطون الأفخاذ، واحدها فخذ، وهم كبني هاشم، وأمية من بني لؤي، ثمّ الفصائل، والعشائر، واحدتها فصيلة، وعشيرة، وقيل: الشعوب من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل، وقال أبو رزين وأبو روق: الشعوب الذين لا يصيرون إلى أحد، بل ينسبون إلى المدائن، والقرى، والأرضين، والقبائل العرب الذين ينسبون إلى آبائهم.
{لتعارفوا} يعرف بعضكم بعضًا في قرب النسب، وبعده لا لتفاخروا. وقرأ الأعمش (ليتعارفوا)، وقرأ ابن عبّاس (ليعرفوا) بغير (ألف).
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ} بفتح (الألف)، وقرأه العامة (إنّ) بكسر (الألف) على الاستئناف، والوقوف على قوله لتعارفوا إنّ أكرمكم {عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} قال قتادة: في هذه الآية أكرم الكرم التقوى. وألأم اللوم الفجور، وقال صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يكون أكرم الناس، فليتّق الله».
وقال: «كرم الرجل دينه، وتقواه، وأصله عقله، وحسبه خلقه»، وقال ابن عبّاس: كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى: {إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
أخبرنا الحسن، قال: حدّثنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن علي، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله المقري، قال: حدّثنا ابن رجاء، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء يوم الفتح يستلم الركن بمحجنه، فما وجد لها مناخ في المسجد، حتّى أخرجنا إلى بطن الوادي، فأناخت فيه، ثمّ حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد أيّها الناس، قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية، وفخرها بالآباء وفي بعض الألفاظ: وتعظمها بآبائها إنّما الناس رجلان، برّ تقي كريم على الله، وفاجر شقيّ هيّن على الله». ثمّ تلا هذه الآية: {يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ}... الآية، وقال: «أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم».
وأخبرني الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن علي بن الحسين الصوفي. قال: حدّثنا أبو شعيب الحراني. قال: حدّثنا يحيى بن عبد الله الكابلي. قال: حدّثنا الأوزاعي، قال: حدّثني يحيى بن أبي كثير، إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إنّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وأعمالكم، وإنّما أنتم بنو آدم {أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ}».
وأخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن حفصويه، قال: حدّثنا عبد الله بن جامع المقري، قال: حدّثنا أحمد بن خادم. قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا طلحة، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: الله سبحانه يقول يوم القيامة: إنّي جعلت نسبًا، وجعلتم نسبًا، فجعلت {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} فأنتم تقولون: فلان بن فلان، وأنا اليوم أرفع نسبي، وأضع أنسابكم، أين المتّقون؟ أين المتّقون؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وأخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيّوب. قال: حدّثنا يوسف بن يعقوب. قال: حدّثنا محمّد بن أبي بكر. قال: حدّثني يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عمر، قال: حدّثني سعيد بن أبي سعيد المقري، عن أبي هريرة، قال: قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم».
وأنشدني ابن حبيب، قال: أنشدنا ابن رميح، قال: أنشدنا عمر بن الفرحان:
ما يصنع العبد بعزّ الغنى ** والعزّ كُلّ العزّ للمتّقي

من عرف الله فلم تغنه ** معرفة الله فذاك الشقي

{قالتِ الأعراب آمَنَّا} الآية نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة، ثمّ من بني الحلاف بن الحارث بن سعيد، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة جدبة، وأظهروا شهادة أن لا إله إلاّ الله، ولم يكونوا مؤمنين في السرّ، وأفسدوا طرق المدينة بالعدوان، وأغلوا أسعارها، وكانوا يغدون، ويروحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، وجئناك بالأفعال، والعيال والذراري، يمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، وبنو فلان، ويريدون الصدقة، ويقولون: أعطنا، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية.
وقال السدي: نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح، وهم أعراب مزينة، وجهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار، كانوا يقولون: آمنّا بالله، ليأمنوا على أنفسهم، وأموالهم، فلمّا استُنفروا إلى الحديبية تخلّفوا، فأنزل الله سبحانه: {قالتِ الأعراب آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا} أي انقَدنَا واستسلمنا مخافة القتل والسبي.
{وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ} فأخبر أنّ حقيقة الإيمان التصديق بالقلب، وأنّ الإقرار به باللسان، وإظهار شرائعه بالأبدان، لا يكون إيمانًا دون الإخلاص الذي محلّه القلب، وأنّ الإسلام غير الإيمان.
يدلّ عليه ما أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي، قرأه عليه محمّد بن زكريا في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو العبّاس محمد بن الدغولي، قال: حدّثنا محمّد بن الليث المروزي، قال: حدّثنا عبد الله بن عثمان بن عبدان، قال: حدّثنا عبد الله ابن المبارك، قال: أخبرنا يونس، عن الزهري.
قال: أخبرني عامر، عن سعد بن أبي وقّاص أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُعطي رهطًا، وسعد جالس فيهم، فقال سعد: فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا منهم، فلم يعطه، وهو أعجبهم إليّ. فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان؟ فوالله إنّي لأراه مؤمنًا، فقال رسول الله: «أو مُسلمًا».
فسكت قليلًا، ثمّ غلبني ما أعلم منه، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان، فوالله إنّي لأراه مؤمنًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مُسلمًا».
فسكتُ قليلًا، ثمّ غلبني ما أعلم منه، فقلت: يا رسول الله ما لك عن فلان، فوالله إنّي لأراه مؤمنًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مسلمًا، فإنّي لأعطي الرجل، وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّ في النار على وجهه».
فاعلم أنّ الإسلام الدخول في السلم، وهو الطاعة والانقياد، والمتابعة، يقال: أسلم الرجل إذا دخل في السلم وهو الطاعة والانقياد والمتابعة. يقال: أسلم الرجل إذا دخل في السلم، كما يقال: أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء، وأصاف إذا دخل في الصيف، وأربع إذا دخل في الربيع، وأقحط إذا دخل في القحط، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان فالجنان، كقوله عزّ وجلّ لإبراهيم: {أَسْلِمْ قال أَسْلَمْتُ} [البقرة: 131]، وقوله: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين} [الذاريات: 35-36].
ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب وذلك قوله: {ولكن قولوا أَسْلَمْنَا} بيانه قوله سبحانه: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ}.
{وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} ظاهرًا وباطنًا، سرًّا وعلانيّةً {لاَ يَلِتْكُمْ} (بالألف) أبو عمر، ويعقوب، واختاره أبو حاتم اعتبارًا بقوله: {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ} [الطور: 21] يقال ألت يألت ألتًا، قال الشاعر:
أبلغ بني ثعل عني مغلغلة ** جهد الرسالة لا ألتًا ولا كذبا

وقرأ الآخرون (يلتكم) من لات يليت ليتًا، كقول رؤبة:
وليلة ذات ندىً سريتُ ** ولم يلتني عن سراها ليتُ

ومعناهما جميعًا لا ينقصكم، ولا يظلمكم.
{مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ثمّ بيّن حقيقة الإيمان، فقال: {إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} لم يشكّوا في وحدانية الله، ولا بنبوّة أنبيائه ولا فيما آمنوا به، بل أيقنوا وأخلصوا.
{وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أولئك هُمُ الصادقون} في إيمانهم، لا من أسلم خوف السيف ورجاء الكسب، فلمّا نزلت هاتان الآيتان، أتت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلفوا بالله إنّهم مؤمنون في السرّ، والعلانية، وعرف الله غير ذلك منهم، فأنزل الله سبحانه: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} الذي أنتم عليه.
{والله يَعْلَمُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} أي بإسلامكم.
{بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ} وفي مصحف عبد الله (إذ هداكم للإيمان) {إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أنّكم مؤمنون.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} قرأ ابن كثير، والأعمش، وطلحة، وعيسى (بالياء)، غيرهم (بالتاء). اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الحجرات مدنية، وآياتها 18، نزلت بعد المجادلة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة الحجرات: آية 1].

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}.
قدّمه وأقدمه: منقولان بتثقيل الحشو والهمزة، من قدمه إذا تقدّمه في قوله تعالى {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} ونظيرهما معنى ونقلا: سلفه وأسلفه. وفي قوله تعالى {لا تُقَدِّمُوا} من غير ذكر مفعول: وجهان، أحدهما: أن يحذف ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدّم. والثاني: أن لا يقصد قصد مفعول ولا حذفه، ويتوجه بالنهى إلى نفس التقدمة، كأنه قيل: لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل، ولا تجعلوه منكم بسبيل، كقوله تعالى {هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ويجوز أن يكون من قدّم بمعنى تقدّم، كوجه وبين. ومنه مقدّمة الجيش خلاف ساقته، وهي الجماعة المتقدّمة منه. وتعضده قراءة من قرأ: {لا تقدموا}، بحذف إحدى تاءى تتقدموا، إلا أن الأوّل أملأ بالحسن وأوجه، وأشدّ ملاءمة لبلاغة القرآن، والعلماء له أقبل. وقرئ: {لا تقدموا} من القدوم، أي لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها، ولا تعجلوا عليهما. وحقيقة قولهم: جلست بين يدي فلان، أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه، فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع للقرب منهما توسعا، كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه في غير موضع، وقد جرت هذه العبارة هاهنا على سنن ضرب من المجاز، وهو الذي يسميه أهل البيان تمثيلا. ولجريها هكذا فائدة جليلة ليست في الكلام العريان: وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة: والمعنى: أن لا تقطعوا أمرا إلا بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا إما عاملين بالوحي المنزل، وإما مقتدين برسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وعليه يدور تفسير ابن عباس رضى اللّه عنه. وعن مجاهد: لا تفتاتوا على اللّه شيئا حتى يقصه على لسان رسوله. ويجوز أن يجرى مجرى قولك: سرني زيد وحسن حاله، وأعجبت بعمرو وكرمه. وفائدة هذا الأسلوب: الدلالة على قوّة الاختصاص، ولما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من اللّه بالمكان الذي لا يخفى: سلك به ذلك المسلك. وفي هذا تمهيد وتوطئة لما نقم منهم فيما يتلوه من رفع أصواتهم فوق صوته: لأنّ من أحظاه اللّه بهذه الأثرة واختصه هذا الاختصاص القوى: كان أدنى ما يجب له من التهيب والإجلال أن يخفض بين يديه الصوت، ويخافت لديه بالكلام. وقيل: بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلا وعليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فقتلهم بنو عامر وعليهم عامر بن الطفيل، إلا ثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بنى سليم قرب المدينة، فاعتزيا لهم إلى بنى عامر، لأنهم أعز من بنى سليم، فقتلوهما وسلبوهما، ثم أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: «بئسما صنعتم كانا من سليم، والسلب ما كسوتهما» فوداهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونزلت، أى: لا تعملوا شيئا من ذات أنفسكم حتى تستأمروا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.